الخميس، 30 أبريل 2009

قصة ذات مغزى

طالب ترك ورقة الامتحان خالية ونجح... مستغربين صح
كيف حدث هذا ؟؟
قصة طريفة حدثت أثناء فترة الامتحانات لأحد معلمي اللغة العربية واسمه بشير فبعد إنتهاء مادة البلاغة قام الأستاذ بشير بتصحيح أوراق
الاجابة و كعادته ما أن يمسك الورقة حتى يبدأ بتصحيح إجابة السؤال الأول ومن ثم السؤال الثاني وهكذا .. وفي بعض الأحيان يلحظ أن بعض الطلاب يترك سؤالاً أو سؤالين بدون إجابة وهو أمر معتاد إلا أن ما أثار إستغرابه ودهشته ورقة إجابة أحد الطلاب تركها خالية...؟ لم يجب فيها على أي سؤال ووضع بدل الإجابة القصيدة التالية التي نظمها خلال فترة الامتحان
أبـشـيـر قل لي ماالعمــل .. واليأس قد غلب الأمل
قـيـل امـتـحـان بلاغـــة .. فحسبته حان الأجـــل
وفزعت من صوت المراقب ..إن تنحنح أو ســــعل
و أخذ يجول بين صفوفنـا .. و يصول صولات البطل
أبشير مـهـلاً يـا أخــــــي .. ما كل مسألة تـــــحل
فـمـن الـبــلاغة نـافــــــع .. ومن البلاغة ما قتـــــل
قـد كـنـت أبـلـد طالـــــب .. و أنا و ربي لــــــم أزل
فـإذا أتـتـك إجابـــــــتي .. فيها السؤال بدون حــل
دعها وصحح غيرهـــــا .. والصفر ضعه على عجـل
فما كان من الأستاذ بشير سوى إعطائه درجة النجاح في مادة البلاغة لأن الهدف الذي يسعى لتحقيقه من خلال تدريسه لمادة البلاغة متوفر في هذا الطالب الذي إستطاع نظم هذه القصيدة الطريفة والبديعة

نصيحة من محب

كيف تستمتع بحياتك الوظيفية؟
عزيزي الموظف: الكثير من الناس لا يشعرون بمتعه في مجال عملهم ، ويبدو ذلك واضحاً من خلال ظاهرة الهروب والتأخر والغياب وتعطيل المراجعين وغير ذلك من الاسباب التي تدل على وعي ناقص بطبيعة الحياة العمليه ..لكن كيف تحول عملك الى مصدر للمتعة بدلاً من كونه مصدراً للألم ؟
1- في البدايه عليك أخي الموظف أن تذكر نفسك دائماً وخصوصا عند الاستيقاظ للعمل بأنك في نعمة كبيرة, وتستشعر نعمة حصولك على عمل فكثير من الناس لا تجد عمل بسهولة في هذا الزمن ، وان تقارن نفسك بمن هو اقل منك ولم يجد عمل او يعمل في وظيفة اقل من شهادته او راتب ضعيف ، فتذكر نعمة الله عليك وأحمده وأشكره وهذا ادعى لانشراح الصدر وحصول الطمأنينه وراحة البال..
2- نلاحظ في مجال الوظائف حدوث حزازيات بين الزملاء، فهذا يكره زميله ، والثاني يرى انه يقوم بجهد يفوق زميله ، وان فلان يحصل على تقدير اكثر منه ، وانه تعب بشكل اكثر من غيره ولايجد التقدير، فتبدأ المشاعر السلبيه تتسرب بسهولة للنفس ويحصل الاحباط والضجر وضيق الصدر ، لهذا يجب عليك أيها الموظف ان تحاول ان تحب زملائك اكثر وتعتبرهم اسرتك الثانية وتتعامل معهم بمزيد من التسامح والحب وثق تماماً ان ما تزرعه تحصده وكل ما تعطيه للناس ينعكس ايجاباً عليك وان احتاج ذلك احياناً لبعض الوقت حتى يؤتي ثماره ..
3- لا تكثر من الملاحظات والمقارنات في مجال عملك ، ركز في عملك فقط ، لديك عدد ساعات ركز على استغلالها حتى لو لاحظت ان احداً يحاول استغلال نشاطك فلا تقلق فأن كنت تستطيع المساعدة ولا يسبب ذلك ضغطاً عليك فاحتسب الاجر وأنت بذلك تكسب العديد في صفك وسينتظر لك الزملاء اقل فرصة ليردوا اليك جميلك ، فعامل الناس بالحسنى وكن الانسان الذي يضيء بوجوده مكان العمل والذي يحبه زملائه ويسعدون بوجوده ، وان التزمت بذلك فستجد ان الوقت يمر عليك بسرعة هائلة وانك تستمتع بعملك اكثر وتزادد نضجاً وراحة وخبرة ، عكس ذلك المهمل الذي يتهرب من عمله فتجده ينظر للوقت في كل دقيقة ويمر عليه اليوم ثقيلاً بطيئاً لأنه لا يقوم بعمله على اكمل وجه ,,
4- سوف تجد في مجال العمل اصناف شتى من الناس وسوف تسمع نصائح ذهبيه لاهم لأصحابها الا جعلك تنحرف عن الطريق الصحيح ، مثل طنش ، تجاهل ، العمر ينتهي والعمل لا ينتهي ، خليها بكره ، تبي ترتاح العب ولا تظهر جديتك والى غير ذلك من النصائح التي تعكس نظرة ضيقة للحياة ، فأنت في النهاية تخلص وتتعامل مع لله الكريم الرزاق الذي يراك ويرى اخلاصك وحبك للعمل وحين تخلص في عملك فأنت تشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة التي اعطاك اياها وتظهر تقديرك لها ، فأنتظر الثواب والاجر الكبير ، ومن اكرم من اكرم الأكرمين وخير الرازقين ؟ 5- احرص على الالتزام بساعات العمل فأن كنت ترى ان ثمان و 9 ساعات كثيرة فهناك من يعمل 18 ساعة يومياً وبراتب قد لايصل لنصف راتبك ومتغرب عن بلاده ويعمل في مهن ذات شأن منخفض وكل ذلك لكي يتحصل على لقمة العيش ، فأحمد الله سبحانه وتعالى وضع في اعتبارك ان هذه الساعات محسوبة عليك وهي التي تأخذ عليها راتبك ، وتذكر ان الله سبحانه وتعالى يبتلي من يقصر في عمله بالهموم والأحزان ويكافئ من يخلص في عمله ويعطيه حقه ، فلا تدع للشيطان مدخلاً عليك ولا تترك لنفسك هواها ، فلو اعطيت لنفسك هواها فحتى لو كان الدوام ساعه واحده فلن تستطيع اكمالها ..
6- تذكر ان النفوس مختلفه في مجال العمل وقد تجد من يكره نجاحك فيحاول ازعاجك ، فلا تلقي له بالاً لأنه مرسول ابلبيس ليزعجك في عملك ، فكل ماعليك ان تركز هوعملك فقط ولاتلقي لمثل هذه الشخصيات بالاً، وسوف تخفت وتضعف لوحدها تلقائياً مع مرور الوقت ، وتذكر ان المكر السيئ لا يحيق الا بأهله ، وردد دائماً " وافوض امري الى الله ان الله بصيرٌ بالعباد " فسيتولى الله عنك مثل هذه الشخصيات الحاقدة ويصرف اذاها عنك ..
7- لا تنسى ان تصلي الفجر في الجماعة وفي الصف الأول فأن في ذلك بركه عظيمه تنعكس عليك طوال يومك فتبدأ نهارك نشيطاً وبطاعه ، وسوف تلاحظ حتى تعامل زملائك قد اختلف وتشعر بسكينه وطمأنينة فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم " من صلى الفجر في جماعه فهو في ذمة الله "
8- احرص على الصدقة من الصباح الباكر وانت في طريقك للعمل ، فأن كنت تأخذ فطورك الصباح معك ، فأحرص ان تزيد وجبة لكي تفطر به مسكيناً في طريقك ، فتنعكس بركة عملك عليك ، ويلحقك بركة دعاء الملائكه حين تقول " اللهم اعطي كل ممسك تلفا وكل منفق خلفا"
9- لا تكثر التفكير في الاجازات والاعتذارات ، فما تركز عليه تحصل عليه ، بل ركز باستمرار على سعادتك في عملك ، فأنك لو اخذت اجازه عام كامل فسوف تعود للعمل وانت ترغب في اجازة اخرى فهذه هي النفس كما تعودها تعتاد ، ولكن دع اجازاتك في الاوقات التي تشعر فيها فعلاً انك بحاجة لتجديد نشاطك ..
10- كما تعامل الناس سوف يعاملك الله ، فأن كان عملك يلزمك بالتعامل مع الجمهور من مراجعين واصحاب حاجات وقمت بتعطيلهم والتراخي في معاملاتهم فلاتستغرب ان وجدت امور حياتك معطله وتسير بصعوبه ، فضع نفسك مكانهم وتخيل لو كنت مراجعاً مثلهم وعامل الناس كما يحبو ان يعاملوك ، ولاتنسى ان خدمة الناس لها اجر عظيم عند الله فقابلهم بأبتسامه واخلاق عاليه تعكس سمو نفسك وحسن عبادتك لربك .
11- كل إنسان لا يحمل هدفاً معيناً سوف يشعر بملل سريع لأن روح التحدي داخله خامده ، فأن كنت معلماً فأحرص ان تكون افضل معلم في مادتك ، وان كنت موظفاً فأحرص ان تكون اكفاء موظف في مهنتك ، واجعل كل ذلك يصب في نهايته إلى رضا الله سبحانه وتعالى ..

الثلاثاء، 21 أبريل 2009

كلمات أغلى من الذهب و الجوهر

من كلمات د عائض القرني حفظه الله
على إسرائيل أن تطمئن ولا تخاف من مفاعلات إيران النووية، فلن تكون إيران أغْيَر من العرب على أرض العرب، ولن تكون أحرص على أرض الإسلام من سلالة المهاجرين والأنصار، وما دام العرب عجزوا عن فتح بيت المقدس، فإيران أذكى من أن تورّط نفسها في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل. وبيت المقدس في التاريخ الإسلامي فُتِح مرتين على يد قائدين مسلمين عظيمين صالحين هما: عمر بن الخطاب وصلاح الدين الأيوبي تجمعهما التقوى والزهد والعدل والشجاعة، ولن يفتح بيت المقدس إلا قائد تقي زاهد عادل شجاع، ولا يفتحه قائد جاء على دبابة الاستعمار فلا بد للفتح من نكاح لا سفاح، وفي الحديث الصحيح: «الولد للفراش وللعاهر الحجر»، وغالب الرؤساء تولّوا برتبة عريف، فكان أول مرسوم لهم أن ترقوا إلى رتبة فريق، اقتباساً من الآية (فريق في الجنة وفريق في السعير)، أما الجيوش العربية فغالبها متهيئة للانقلابات في بلادها، فكل دولة عربية في ا لغالب تتربص بجارتها وتتوعّدها بالويل والثبور، وعظائم الأمور، وغالب الشوارع العامة في الدول العربية مرفوعة فيها أقواس النصر وصور القائد الرمز الملهم ، حتى أني دخلتُ بلداً عربيّاً، وإذا صورة الرئيس القائد على الجسور وعليه النياشين والنجوم، وعيناه كعيني الصقر، وهو يشير بيده للجماهير كأنه ليث كاسر وتحت قدميه عبارات سر بنا إلى الأمام، يا حبيب الملايين، ويا نصير المستضعفين، مع العلم أن ثلث الشعب من المشرَّدين، والثلث الآخر من المسجونين، والثلث الباقي يبيع الحلقوم والجوارب على طريق السالكين:
وحـدويّون والبلاد شظايـا ـ كل جزء من جسمهـا أجزاءُ
ناصريّون نصـرهم أين ولَّى ـ يوم داست على الخدود الحذاءُ؟
ماركسيّون والجماهير جوعى ـ فلمـاذا لا يشبـع الفقـراء؟
والعرب مشغولون بذكرى أعياد كبرى، مثل ثورة 7 تموز، يوم أكل الناس قشر الموز، وثورة 9 كانون يوم ذاق الشعب النون وما يعلمون، و5 آب يوم سفَّت الجماهير التراب، وهذه الثورة المجيدة تمّت بمؤامرة لاغتيال الرئيس السابق في آخر الليل، وبهذه الطريقة صار العرب نكرة في المحافل الدولية ولا يجوز الابتداء بالنكره ـ ومن أجاز ذاك فهو بقره.
والعرب شجعان في الحروب الأهلية أو مع جيرانهم العرب، ففتح وحماس، في كرب وباس، كل يحطّم رأس أخيه بالفاس، وحزب الله وعدنا بنصر الله في القدس، فإذا القتال في بيروت تحت شعار (إذا جاء نصر الله والفتح)، والسودان يفور، من الخرطوم إلى دارفور، كأنه على دافور، وقادة الجهاد السبعة في أفغانستان تقاتلوا في ما بينهم، وكل منهم مجاهد شهيد، وخصمه منافق رعديد، والسلاح العربي غالبه (خردة) انتهت صلاحيته؛ لأنه بيع في عهد برجنيف وبعضه من عهد ديغول، والجماهير تصفّق بمناسبة افتتاح مستوصف في قرية من القرى وفتح طريق مسفلت طوله 3 كم، وكثيرٌ من الشباب عاطل عن العمل بعدما أكمل دراسته إلى رابعة ابتدائي ليلي من محو الأمية، وأخذ كل شاب هراوة بيده، وهم يرقصون ويرددون (الحسود في عينه عود)، وما أدري من هو هذا الحسود الغبي الذي حسد العرب ولم يحسد أهل الاختراعات والاكتشافات، والذين احتلوا المريخ وعطارد بعدما احتلوا البحار والقفار، وأنزلوا حاملة الطائرات (إيزن هور) في مياه الخليج لتحمل مائة طائرة وكل مسمار من مساميرها كتمثال فخامة الرئيس، إذاً فعلى إسرائيل أن لا تخاف حتى يظهر مثل عمر وصلاح الدين؛ لأن الماركة مسجّلة والبضاعة لا بد أن تكون من شركة مكّة الربانيّة النبوية، عليها دمغة: (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) تربّوا في (بيوت أذن الله أن تُرفع) وهم من كتيبة (يحبهم ويحبونه) العلامة الفارقة (سيماهم في وجوههم)، والأمة التي رُزِقت عادل إمام سترزق بإمام عادل.

الخميس، 16 أبريل 2009

ابن زريق يرثي نفسه بقصيدة يتيمة

يتيمة ابن زريق البغدادي

ناظم القصيدة هو الشاعر العباسي أبو الحسن علي بن زريق البغدادي, وكان له ابنة عم أحبها حبًا عميقًا صادقًا, ولكن أصابته الفاقة وضيق العيش, فأراد أن يغادر بغداد إلى الأندلس طلبًا للغنى, وذلك بمدح أمرائها وعظمائها،ولكن صاحبته تشبثتْ به, ودعته إلى البقاء حبًا له, وخوفًا عليه من الأخطار, فلم ينصت لها, ونفَّذ ما عَزم عليه، وقصد الأمير أبا الخيبر عبد الرحمن الأندلسي في الأندلس, ومدحه بقصيدةٍ بليغة جدًا, فأعطاه عطاءً قليلاً، فقال ابن زريق- والحزن يحرقه-: "إنا لله وإنا إليه راجعون, سلكت القفار والبحار إلى هذا الرجل, فأعطاني هذا العطاء القليل؟!".

ثم تذكَّر ما اقترفه في حق بنت عمه من تركها, وما تحمَّله من مشاقٍ ومتاعب, مع لزوم الفقر, وضيقِ ذات اليد، فاعتلَّ غمًّا ومات.

وقال بعض مَن كتب عنه إنَّ عبد الرحمن الأندلسي أراد أن يختبره بهذا العطاء القليل ليعرف هل هو من المتعففين أم الطامعين الجشعين, فلما تبيَّنت له الأولى سأل عنه ليجزل له العطاء, فتفقدوه في الخان الذي نزل به, فوجدوه ميتًا, وعند رأسه رقعة مكتوب فيها هذه العينية. فبكاه عبدالرحمن الاندلسي بكاءً حاراً.

لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ*** قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ
جاوَزتِ فِي لَومهُ حَداً أَضَرَّبِهِ*** مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ اللَومَ يَنفَعُهُ
فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً*** مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ
قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطبِ يَحمِلُهُ*** فَضُيَّقَت بِخُطُوبِ الدهرِ أَضلُعُهُ
يَكفِيهِ مِن لَوعَةِ التَشتِيتِ أَنَّ*** لَهُ مِنَ النَوى كُلَّ يَومٍ ما يُروعُهُ
ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلّا وَأَزعَجَهُ*** رَأيُ إِلى سَفَرٍ بِالعَزمِ يَزمَعُهُ
كَأَنَّما هُوَ فِي حِلِّ وَمُرتحلٍ*** مُوَكَّلٍ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ
إِنَّ الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيلِ غِنىً*** وَلَو إِلى السَدّ أَضحى وَهُوَ يُزمَعُهُ
تأبى المطامعُ إلا أن تُجَشّمه*** للرزق كداً وكم ممن يودعُهُ
وَما مُجاهَدَةُ الإِنسانِ تَوصِلُهُ*** رزقَاً وَلادَعَةُ الإِنسانِ تَقطَعُهُ
قَد وَزَّع اللَهُ بَينَ الخَلقِ رزقَهُمُو*** لَم يَخلُق اللَهُ مِن خَلقٍ يُضَيِّعُهُ
لَكِنَّهُم كُلِّفُوا حِرصاً فلَستَ تَرى*** مُستَرزِقاً وَسِوى الغاياتِ تُقنُعُهُ
وَالحِرصُ في الرِزقِ وَالأَرزاقِ قَد* قُسِمَت بَغِيُ أَلّا إِنَّ بَغيَ المَرءِ يَصرَعُهُ
وَالدهرُ يُعطِي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُهُ*** إِرثاً وَيَمنَعُهُ مِن حَيثِ يُطمِعُهُ

اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغدادَ لِي قَمَراً*** بِالكَرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَطلَعُهُ
وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَو يُوَدِّعُنِي ***صَفوَ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ
وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً*** وَأَدمُعِي مُستَهِلّاتٍ وَأَدمُعُهُ
لا أَكُذبث اللَهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌ*** عَنّي بِفُرقَتِهِ لَكِن أَرَقِّعُهُ
إِنّي أَوَسِّعُ عُذري فِي جَنايَتِهِ بِالبينِ*** عِنهُ وَجُرمي لا يُوَسِّعُهُ
رُزِقتُ مُلكاً فَلَم أَحسِن سِياسَتَهُ*** وَكُلُّ مَن لا يُسُوسُ المُلكَ يَخلَعُهُ
وَمَن غَدا لابِساً ثَوبَ النَعِيم ***بِلا شَكرٍ عَلَيهِ فَإِنَّ اللَهَ يَنزَعُهُ
اِعتَضتُ مِن وَجهِ خِلّي بَعدَ فُرقَتِهِ*** كَأساً أَجَرَّعُ مِنها ما أَجَرَّعُهُ

كَم قائِلٍ لِي ذُقتُ البَينَ قُلتُ لَهُ ***الذَنبُ وَاللَهِ ذَنبي لَستُ أَدفَعُهُ
أَلا أَقمتَ فَكانَ الرُشدُ أَجمَعُهُ*** لَو أَنَّنِي يَومَ بانَ الرُشدُ اتبَعُهُ
إِنّي لَأَقطَعُ أيّامِي وَأنفِنُها*** بِحَسرَةٍ مِنهُ فِي قَلبِي تُقَطِّعُهُ
بِمَن إِذا هَجَعَ النُوّامُ بِتُّ لَهُ*** بِلَوعَةٍ مِنهُ لَيلى لَستُ أَهجَعُهُ
لا يَطمِئنُّ لِجَنبي مَضجَعُ وَكَذا*** لا يَطمَئِنُّ لَهُ مُذ بِنتُ مَضجَعُهُ
ما كُنتُ أَحسَبُ أَنَّ الدهرَ يَفجَعُنِي*** بِهِ وَلا أَنّ بِي الأَيّامَ تَفجعُهُ
حَتّى جَرى البَينُ فِيما بَينَنا بِيَدٍ ***عَسراءَ تَمنَعُنِي حَظّي وَتَمنَعُهُ

قَد كُنتُ مِن رَيبِ دهرِي جازِعاً فَرِقاً*** فَلَم أَوقَّ الَّذي قَد كُنتُ أَجزَعُهُ
بِاللَهِ يا مَنزِلَ العَيشِ الَّذي دَرَست*** آثارُهُ وَعَفَت مُذ بِنتُ أَربُعُهُ
هَل الزَمانُ مَعِيدُ فِيكَ لَذَّتُنا أَم ***اللَيالِي الَّتي أَمضَتهُ تُرجِعُهُ
فِي ذِمَّةِ اللَهِ مِن أَصبَحَت مَنزلَهُ *** وَجادَ غَيثٌ عَلى مَغناكَ يُمرِعُهُ
مَن عِندَهُ لِي عَهدُ لا يُضيّعُهُ *** كَما لَهُ عَهدُ صِداقٍ لا أُضَيِّعُهُ
وَمَن يُصَدِّعُ قَلبي ذِكرَهُ وَإِذا جَرى*** عَلى قَلبِهِ ذِكري يُصَدِّعُهُ

لَأَصبِرَنَّ لِدهرٍ لا يُمَتِّعُنِي بِهِ*** وَلا بِيَ فِي حالٍ يُمَتِّعُهُ
عِلماً بِأَنَّ اِصطِباري مُعقِبُ فَرَجاً *** فَأَضيَقُ الأَمرِ إِن فَكَّرتَ أَوسَعُهُ
عَسى اللَيالي الَّتي أَضنَت بِفُرقَتَنا*** جِسمي سَتَجمَعُنِي يَوماً وَتَجمَعُهُ
وَإِن تُغِلُّ أَحَدَاً مِنّا مَنيَّتَهُ فَما*** الَّذي بِقَضاءِ اللَهِ يَصنَعُهُ

الآخرة خير لو كانو يعلمون

نونية ابن القيم رحمه الله في وصف الحور العين في الجنة

يا خاطب الحور الحسان وطالباً ..... لوصالهن بجنة الحيوان
لو كنت تدري من خطبت ومن ..... طلبت بذلت ما تحوي من الأثمان
أو كنت تدري أين مسكنها جعلت ..... السعي منك لها على الأجفان
أسرع وحث السير جهدك إنما ..... مسراك هذا ساعة لزمانِ
فاعشق وحدّث بالوصال النفس ..... وابذل مهرها ما دمت ذا امكانِ
فاسمع صفات عرائس الجنات ثم ..... اختر لنفسك يا أخا العرفانِ
حمر الخدود ثغورهن لآلئ ..... سود العيون فواتر الأجفانِ
والبرق يبدو حين يبسم ثغرها ..... فيضيء سقف القصر بالجدرانِ
ولقد روينا أن برقا ساطعا ..... يبدو فيسأل عنه من بجنانِ
فيقال هذا ضوء ثغر صاحبك ..... في الجنة العليا كما تريانِ
لله لاثم ذلك الثغر الذي ..... في لثمه إدراك كل أمانِ
ريانة الأعطاف من ماء الشباب ..... فغـصنها بالماء ذو جريانِ
لما جرى ماء النعيم بغصنها ..... حمل الثمار كثيرة الألوانِ
فالورد والتفاح والرمان في ..... غصن تعالى غارس البستانِ
والقد منها كالقضيب اللدن في ..... حسن القوام كأوسط القضبانِ
لا الظهر يلحقها وليس ثديها ..... بلواحق للبطن أو بدوانِ
لكنهن كواعب ونواهد ..... فثديهن كألطف الرمانِ
والجيد ذو طول وحسن في ..... بياض واعتدال ليس ذا نكرانِ
يشكو الحليّ بعاده فله مدى ..... الأيام وسواس من الهجرانِ
والمعصمان فان تشأ شبههما ..... بسبيكتين عليهما كفانِ
كالزبد لينا في نعومة ملمس ..... أصداف در دورت بوزانِ
والصدر متسع على بطن لها ..... حفت به خصران ذا أثمانِ
وعليه أحسن سرة هي مجمع ... الخصرين قد غارت من الأعكانِ
وإذا انحدرت رأيت أمرا هائلا ... ما للصفات عليه من سلطانِ
وجماعها فهو الشفا لصبها ..... فالصبّ منه ليس بالضجرانِ
وإذا يجامعها تعود كما أتت ..... بكرا بغير دم ولا نقصانِ
فهو الشهي وعضوه لا ينثني ..... جاء الحديث بذا بلا نكرانِ
أقدامها من فضة قد ركبت ..... من فوقها ساقان ملتفانِ
والساق مثل العاج ملموم يرى ..... مخ العظام وراءه بعيانِ
والريح مسك و الجسوم نواعم ..... واللون كالياقوت والمرجانِ
وكلاهما يسبي العقول بنغمة ..... زادت على الأوتار والعيدانِ
وهي التي عند الجماع تزيد في ..... حركاتها للعين والأذنان
ِيعطي المجامع قوة المائة التي ..... أجتمعت لأقوى واحد الإنسانِ
لا أن قوته تضاعف هكذا ..... إذ قد يكون لأضعف الأركان
ِولقد روينا أنه يغشى بيوم ..... واحد مائة من النسوانِ
هذا ودليل أن قدر نسائهم ..... متفاوت بتفاوت الإيمانِ
وأعفهم في هذه الدنيا هو ..... الأقوى هناك لزهده الفاني
فاجمع قواك لما هناك وغمض ..... العينين واصبر ساعة لزمانِ
ما ههنا والله ما يسوى قلامة ..... ظفر واحدة ترى بجنانِ
لا تؤثر الأدنى على الأعلى ..... فان تفعل رجعت بذلة وهوانِ
وإذا بدت في حلة من لبسها ..... وتمايلت كتمايل النشوانِ
تهتز كالغصن الرطيب وحمله ..... ورد وتفاح على رمانِ
وتبخرت في مشيها ويحق ..... ذاك لمثلها في جنة الحيوانِ
كالبدر ليلة تتمة قد حف في ..... غسق الدجى بكواكب الميزانِ
فلسانه وفؤاده والطرف في ..... دهش وإعجاب وفي سبحانِ
فالقبل قبل زفافها في عرسه ..... والعرس من أثر العرس متصلانِ
حتى إذا ما واجهته تقابلا ..... أرايت إذ يتقابل القمرانِ
فسل المتيم هل يحل الصبر ..... عن ضم وتقبيل وعن فلتانِ
وسل المتيم اين خلف صبره ..... في أي واد أم بأي مكانِ
وسل المتيم كيف حالته وقد ..... ملئت له الأذنان والعينانِ
من منطق رقت حواشيه ووجه ..... كم به للشمس من جريانِ
وسل المتيم كيف عيشته إذا ..... وهما على فرشيهما خلوانِ
يتساقطان لآلءا منثورة ..... من بين منظوم كنظم جمانِ
وسل المتيم كيف مجلسه مع ..... المحبوب في روح وفي ريحانِ
وتدور كاسات الرحيق عليهما ..... بأكف أقمار من الولدانِ
يتنازعان الكأس هذا مرة ..... والخود أخرى ثم يتكئانِ
فيضمها وتضمه أرأيت ..... معشوقين بعد البعد يلتقيانِ
غاب الرقيب وغاب كل منكد ..... وهما بثوب الوصل مشتملانِ
أتراهما ضجرين من ذا العيش ..... لا وحياة ربك ما هما ضجرانِ
ويزيد كل منهما حبا لصاحبه ..... جديدا سائر الأزمانِ
ووصاله يكسوه حبا بعده ..... متسلسلا لا ينتهي بزمان
ِيا سلعة الرحمن لست رخيصة ..... بل أنت غالية على الكسلانِ
يا سلعة الرحمن ليس ينالها ..... في الألف إلا واحد لا اثنان
ِيا سلعة الرحمن ماذا كفؤها ..... إلا أولو التقوى مع الإيمان
ِيا سلعة الرحمن سوقك كاسد ..... بين الأراذل سلفة الحيوانِ
يا سلعة الرحمن أين المشتري ..... فلقد عرضت بأيسر الأثمانِ
يا سلعة الرحمن هل من خاطب ..... فالمهر قبل الموت ذو امكان
ِيا سلعة الرحمن كيف تصبر ..... الخطاب عنك وهم ذوو إيمانِ

الثلاثاء، 7 أبريل 2009

أسباب تدعونا لحب الله


وسط هذا الجو المزدحم والزاخر بالماديات، والتثاقل إلى الأرض وطينها.. يحتاج المسلم إلى السمو والرفرفة في عالم الروح؛ حتى تكون حياته متوازنة، فلا يربو جانب على آخر، فهو يبتغي بين هذا الطريق وذاك سبيلاً.. هو السبيل الذي أراده الله لعباده. ومن ثم يأتي كتاب الدكتور عبد العزيز مصطفى كامل: "شرح الأسباب العشرة الموجبة لمحبة الله تعالى كما عدّها الإمام ابن القيم رحمه الله". يبدأ الكتاب بحديث صحيح رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- خارجين من المسجد، فلقِينا رجلاً عند سدة المسجد فقال: يا رسول الله، متى الساعة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أعددت لها؟» قال: ما أعددت لها كبير صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله. قال: «فأنت مع من أحببت». وهذا يبين أن الصدق في محبة الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- يدرك به العبد منزلةً قلما توصِل إليها الأعمال، فعمل العبد كثيرًا ما تلحقه الآفات والفترات والنقائص، أما إذا استجمع الإنسان في قلبه محبة صادقة خالصة دائمة لله ورسوله، فإن ذلك يعوّض نقصان عمله، ويبلغه المنازل العالية التي ربما قصرت عن بلوغها همته، وتقاصرت عن استشرافها قامته. ولهذا السبب قام الدكتور عبد العزيز كامل بدراسة وشرح الأسباب العشرة التي عدّها الإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية في كتابه "مدراج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين"، وذكر أنها تستوجب محبة الله للعبد، وهاك بيانها: السبب الأول: "قراءة القرآن بالتدبّر والتفهم لمعانيه وما أُريد به، كتدبّر الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه ليتفهم مراد صاحبه منه". من الأسباب الجالبة لمحبة الله عز وجل، قراءة القرآن بخشوع وتدبر وتفهم، ولا عجب أن يكون القرب من كتاب الله من أعظم القرَب الموجبة لمحبة الله، فإذا كان الله تعالى قد شاء بحكمته أن يكون إيماننا به من الإيمان بالغيب، فإنه سبحانه قد شاء أيضًا أن يكون خطابه لنا وحديثه إلينا من أمر الشهادة، فنرى كلامه مسطورًا ونسمعه مقروءًا ويتكرر وقعه بلفظه ومعناه على القلوب والأفئدة، فالقرآن هو الدال على الله وعلى محابّ الله، فمن القرآن نعرف صفات الله، وأسماءه، وما يليق به، وما يتنزه عنه، وما أمر به، وما نهى عنه، من الشرائع المفصلة الموصلة إلى محبته ورضاه. والتدبر وسيلة المعرفة ودلالة المحبة، وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته. السبب الثاني: "التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض". من المعلوم أن أداء الفرائض هو أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه، وحسب مؤدي الفرائض على تمامها، فضلاً عن أنه موعود بالفلاح، فوزًا بالجنة ونجاةً من النار. فمؤدي الفرائض كاملة محبٌ لله، ومؤديها وبعدها النوافل محبوب من الله، فللمتقرِّب إلى الله بالنوافل إذًا خصوصية وميزة تجعله أعلى مرتبةً من مؤدي الفرائض فقط؛ ذلك لأن الفرائض مطلوبة من العبد أصلاً، وهو مكلف بها وآثم بتركها والتفريط فيها. فهناك صنفان من الفائزين الناجين: الصنف الأول: المحب لله، فهو دائمًا مؤدٍ لفرائض الله، وقَّافٌ عند حدوده. والصنف الثاني: المحبوب من الله، وهو المتقرب بعد الفرائض بالنوافل. وهذا ما قصده ابن القيم بقوله: "التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، فإنها موصلة إلى درجة المحبوبية بعد المحبة". فالمحبون المتقربون بالفرائض، والمحبوبون المتقربون بالنوافل بعد الفرائض، هم أولياء الله وأصفياؤه وخيرته من الخلق. وفي هؤلاء وأولئك، تنزلت الآيات ووردت الأحاديث. ونخلص إلى أن أولياء الله المقربين، من تقربوا إلى الله بأداء الفرائض، ومن تقربوا إلى الله تعالى بعد أداء الفرائض بالنوافل، وهؤلاء أهل درجات السابقين المقربين. ثم يوجز الكاتب النوافل في الصلاة والصيام وصدقة التطوع والتطوع في الحج والعمرة. السبب الثالث: "دوام ذكره على كل حال، باللسان والقلب والعمل والحال؛ فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من الذكر". نعم، فذكر الله تعالى شعار المحبين له المحبوبين منه، حيث صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله عز وجل يقول: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه»، وصاحب الأذكار مذكور عند الله بالثناء والمحمدة والمحبة وموعود بالمغفرة والأجور العظيمة. السبب الرابع : "إيثار محابّه على محابّك عند غلبات الهوى، والتسنُّم إلى محابّه وإن صعب المرتقى". فمما لا شك فيه أن إيثار رضا الله على رضا غيره، وإن عظمت فيه المحن، وثقلت فيه المؤن، وضعف عنه الطوْل والبدن، هو سبب في محبة الله تعالى للعبد، فإن إيثار محاب الله على محاب غيره تتجلى آثاره في أمور ثلاثة، وهي: قهر النفس، ومخالفة هوى الناس، ومجاهدة الشيطان وأوليائه. السبب الخامس: "مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها وتقلُّبه في رياض هذه المعرفة. فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبه لا محالة". فالمعرفة مقامٌ سامٍ من مقامات المؤمنين، ومنزلة من منازل السائرين إلى دار الفائزين. السبب السادس: "مشاهدة بِرِّه وإحسانه وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة, فإنها داعية إلى محبته". فالعبد أسير الإحسان كما يقولون، فللإنعام والبر واللطف معانٍ تسترق مشاعر العبد وتستولي على أحاسيسه وتدفعه إلى محبة من يسدي إليه النعمة ويُهدي إليه المعروف. ولا منعم على الحقيقة ولا محسن إلاّ الله، فهذه دلالة العقل الصريح والنقل الصحيح، فلا محبوب في الحقيقة عند ذوي البصائر إلاّ الله تعالى، ولا مستحق للمحبة كلِّها سواه. السبب السابع وهو من أعجبها: "انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى، وليس في التعبير عن هذا المعنى غير الأسماء والعبارات". فابن القيم في هذا السبب يحوم حول معاني الخشوع والتذلل والافتقار ومراعاة الأدب مع الله تعالى، وكلُّها معانٍ يجتمع فيها معنى الانكسار. السبب الثامن: "الخلوة به وقت النزول الإلهي؛ لمناجاته، وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب، والتأدب بأدب العبودية بين يديه، ثم ختْم ذلك بالاستغفار والتوبة". فإذا أراد أحدنا اللحاق بقافلة المحبين لله المحبوبين من الله، فليُعجِّل إلى مرضاته، وليجْعَل إخلاص النية وصلاحَها أولى خطواته، وليستعنْ بالله، فإن من استعان بالله أعانه. السبب التاسع: "مجالسة المحبين الصادقين والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر، ولا تتكلم إلاّ إذا ترجحت مصلحة الكلام، وعلمت أن فيه مزيدًا لحالك ومنفعة لغيرك". نعم، إن محبة المحبين الصادقين ومجالستهم من موجبات محبة الله تعالى. ولا عجب في هذا، فإن البشرى قد زُفت إلى أهل المحبة عبر وحي يوحى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ». رواه الإمام مالك بإسناده الصحيح. فمحبة المسلم لأخيه في الله ثمرة لصدق الإيمان وحسن الخلق. السبب العاشر: من أسباب المحبة كما عدّها الإمام الحافظ ابن القيم: "مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل". فلا خيار للإنسان إذا أراد محبة الله إلاّ أن يسعى للمحافظة على قلبه سليمًا من كل آفة وعيب وفساد ينافي ما يحبه الله.

Alyouseef

الأحد، 5 أبريل 2009

واحة الشعر

أبلغ أخاَ في صميم القلب مسكنه*** أني أعيش حياتي لست أنساه
و أن طرفاً يواصلنا سنــــــغمره*** حباً و وداً و ندعوا الله يرعاه
و أن حب ذوي القربى نؤيــــده*** فالله أوجبه وجنان الخلد عقباه
يا سعد من كان حب الأهل ديدنه*** يبقى حميــداً مخـلدة سجايـاه
عمر مديد له الوهاب يــــــنسأه***
مبارك الرزق مصباحاً محياه
من نظم أبو ياسر

الأربعاء، 1 أبريل 2009

قصة قصيرة

صدى الذكريات

رغم أنه كان محاطاً ببناته الثلاث وأولاده الثمانية، محفوفاً بالرعاية و الحنان من زوجته المحبة، تحفهم جميعاً خضرة حديقة منزله الغناء، المطرزة بألوان شتى حبكتها أنامل الأزهار، و يشنف آذانهم تغريد البلابل و العصافير المنزلية. لكنه في لحظته تلك يسافر بعيداً مبحرا ًفي محيط الذكريات، مستعذباً صداها تارةً فتنفرج أساريره، و تعلو وجهه ابتسامة تنم عن برد سعادة غريب يغمر روحه و يشع من عينيه. ولا يلبث حتى يعلو الوجوم وجهه تارة أخرى، عاكساً ما يختلج في نفسه من حزن حين مرور خيال لمحات من تجارب شعورية حزينة جرت في واقع حياته، و استوطنت خياله في لحظته هذه.
و بمرور اللحظات أخذ صدى الذكريات يغلب على تردد أصوات العائلة وتغريد أطيار الحديقة، و أخذ صاحبنا يغوص متعمقاً في الذاكرة حتى وصل به خيال الواقع إلى حقيقة الماضي، فما لبث أن أخذ يتابع ذلك الفتا الصغير الذي لم يجاوز ربيعه السابع بعد و هو مليء بالحيوية و النشاط، يلهو و يمرح سحابة نهاره في محيطه الريفي البديع، مستأنساً بأخته الوحيدة، و يستمر أنسه بها بعد إيابه إلى المنزل بعد أن يودع آخر خيوط شمس الغروب الذهبية، و في كل ليلة ينام سعيد القلب قرير العين على عذوبة صوتها الحنون، بل إنه يشاركها اللعب و المرح حتى في أحلامه، التي تكاد تكون حصريةً عليها. كانت أخته الحبيبة كل حياته الطفولية بحيث ينتهي المدى عنده عند قدميها و إن بعد المدى فلا يتعدى مسافة صدى صوتها. كانت تكبره ببضع سنين لكن قلبها الحاني كان أكبر من ذلك بكثير، بحيث كانت أمومتها تنافس إلى حد بعيد أمومة أمه الرءوم. بدت له الحياة نعيماً مقيماً رغم ما يشوبها من ألم بعد والده و أخاه الأكبر عنه.
لم ير الصغير الجانب المحزن من هذه الحياة بعد، لكنه سرعان ما تعرف عليه في صورة من أقسى صوره، لقد خطفت يد المنون بمشيئة الله أخته الوحيدة و أنيسة وحشته رغم رجائه اليائس و صرخاته الحرى التي كان يرددها " يا رب لا تخليها تموت يا رب لا تخليها تموت"، كان يرددها و هو يتقافز كالطائر المذبوح.
لفترة ليست بالقصيرة كان لا يريد تصديق ما حدث، مع معاناة ينوء بها كاهل كيانه الصغير، فلا يستطيع لها تحملاً و ليس لديه حيلة ليتخلص من براثنها، كان يهيم على وجهه بين الحقول لا يلوي على شيء، لعل طيف أخته يلوح له، و لربما خاطب هذا الطيف ومرح معه، فيكون للحظات برداً و سلاماً على قلبه الصغير، لكن الأطياف للطافتها لا تدوم طويلاً فيفيق في كل مرة على الحقيقة المرة، التي يتذوق مرارتها فؤاده قبل أحساسه. ظلت هذه حاله، رغم محاولة الأم الثكلى إذابة أحزانها في محيط حنانها على هذا الصغير المسكين، مستميتةً في جهودها لتسليته، حتى أنها كادت توقف وقتها كله على شأنه، رغم حاجتها للجهد و الوقت، و رغم أنها هي بدورها أشد ما تكون حاجة للعطف و الحنان و الدعم النفسي، فلله درها كيف تحملت و صبرت، و كيف لم تذهب نفسها على ابنتها حسرات، رغم تمتعها بالأحاسيس المرهفة، و رغم ما كانت تشكله لها ابنتها العزيزة من تعويض، فقد كانت ترى فيها أماً رءومة رغم أنها ابنتها، فقد كان لسان حالها يردد دائماً لقد عوضني الله بابنتي الرحيمة عن حنان أمي و والدي اللذان فقدتهما في صغري.
مع مرور الأيام كان عليه أن يدرك و يتعلم، بل عليه أن يتأقلم مع حقيقة أنه أصبح وحيد أمه حيث كان يعيش معها في قرية حالمة تحيط بها أشجار اللوز إحاطة السوار بالمعصم، و تحفها المدرجات الزراعية الخضراء من كل جانب، في حين كانت تفصلهما مئات الكيلومترات عن أبيه و أخيه الأكبر المقيمان في مدينة بعيدة .
أخذ ذلك منه وقتاً طويلاً لكنه تغلب على آلامه، و تمكن مع الزمن من كبت ثورة و سورة بركان الحزن المتفجر في نفسه و كيانه كله، لكنه لم يتمكن من إخماده كليةً، فهو حي متقد، وقابل للتفجر في أي لحظة ضعف، فينبعث كأشد ما يكون، و كأن ذلك المصاب الجلل قد وقع للتو و اللحظة.
لم يستسلم الفتى للأحزان بل عوضه الله ثم حنان والدته بعزيمة لا تلين، و مثابرة كانتا مضرب المثل في قريته و القرى المجاورة، و عند جميع الأهل و الأقارب، كما أنعم عليه ربه بشعور يندر أن يوجد عند من كان في سنه من البنين و البنات، آلا و هو الشعور الدائم بالمسئولية تجاه والدته و نفسه، مما ولد لديه عصامية دفعته للتفوق الدراسي، و كسب المال الحلال في هذه السن المبكرة فقد كان يبيع و يشتري و ينمي دخله حتى بتربية الدجاج، و لقد كان سعيداً بما يدخره، فقد كان ما يجمعه من مال يفوق ما يصل إلى والدته من مصروف شهري من والده البعيد، بل كان يستمتع بشراء بعض الهدايا و الحاجيات التي يهديها من ثم لوالدته، و كان موفقاً في أحيان كثيرة في تلمسه لما تحتاجه.
واصل الفتى دراسته بإصرار رغم قسوة الحياة و رغم بعد المسافة و خطورة الطريق بين منزله و المدرسة، فقد كانت المدرسة تبعد بضعة كيلومترات عن المنزل، وكانت طريقاً جبلية تتلوى بين الصخور و الغابات الموحشة، و يزيدها وحشةً كون الضباب يغطيها لبضعة أشهر كل عام.
تواصل العمل و الادخار كما تواصلت الدراسة، وكبرت الطموحات و تبلورت بحصوله على الشهادة الثانوية،كل هذا بتوفيق من الله ثم من شمس تنير له الطريق، شمس هي في سطوع نورها و قمرا في حنان أشعتها،إنها والدته الحبيبة، تلك الإنسانة التي لا تفي صحائف المجلدات بما تستحقه من شكر و تقدير،أسأل الله العلي القدير أن يعطيها من نعيم الجنة حتى ترضى، و أن يتم عليها نعمته في الجنة برؤية وجهه الكريم.
لذهول الفتى و قد كان سنا نور والدته يحجب عنه ما عداه من أنوار، برزت يوماً في الأفق نجمة زاهرة لامعة درية في مظهرها، لكن لمعانها الأخاذ و خيوط أشعتها الماسية لامست قلبه قبل أن تلامس عينيه الذاهلتين، بل تسللت مباشرةً إلى سويداء قلبه، انتابه شعور غريب و كاد من الدهشة و دفء السعادة أن يطير، هام على وجهه هذه المرة بين الحقول الخضراء، لكن بأحاسيس مختلفة، لقوة تأثيرها و لتزاحمها و غرابتها بدا لبرهة من الزمن أمامها حيران عاجزاً عن التفكير، وما ساعده على تجميع شتات ذهنه أمام هذه الظاهرة الجديدة في حياته إلا أنه كان مغرما بقراءة المفيد من الكتب نثرا و شعراً، فأدرك أن حقيقة ثانية برزت في حياته، لكنها هذه المرة سعيدة و سعيدة جداً، إنها حقيقة الحب الشريف.
لم يتردد لحظة، و قد كان من طبعه و لا يزال الحزم، فقابل والد الفتاة و اتفق معه على كل شيء، حتى أدق التفاصيل، و من بعد استثمر وجود والده في القرية أثناء الإجازة الصيفية، و تمت الخطبة و حدد موعد الزواج، و ظهرت عصامية هذا الشاب، فقد تكفل بالمهر من مدخراته في هذه السن المبكرة، و تفضل والده الكريم و أصر أن يقوم بتكلفة الوليمة.
هذا الوالد الكريم الذي أجبرته ظروف الحياة أن يعيش موزع القلب بين معاناة ولده الأكبر المريض، الراقد لسنوات على السرير الأبيض ولقمة العيش من جهة و بين زوجته و ابنته و ولده الأصغر من جهة أخرى، عانا من الجهد في كسب الرزق ومن الحزن على فقد ابنته التي كانت تعني له الشيء الكثير.
كانت و لا تزال نعم الزوجة، فقد شاركته كفاحه على مدى الدراسة الجامعية ثم تحملت معه الغربة أثناء بعثته لتحضير درجة الدكتوراه، و واصلت معه مشوار الترقيات حتى أضحى أستاذاً جامعيا يشار إليه بالبنان.
جمعه الله بوالديه بعد رجوعه من البعثة، لكنهما كانا متقدمين في السن، فقابل الحقيقة الثالثة في حياته، و هي هذه المرة مشوبة بالحزن، و أحيانا بالندم، كونه ذهب إلى البعثة و لم يبق إلى جانبهما ليرعاهما، في حين فاز أخاه الأكبر بذلك، لكن عزاءه أنهما كانا راضيين عنه إن شاء الله. و مما يحزنه أن يد المنون قد هاجمته مرة أخرى و خطفت شمسه و قمره،بل سبب وجوده في هذه الحياة تباعاً، و كانت هذه الحقيقة الرابعة، و ما أشدها من حقيقة، و إن العين لتدمع و إن القلب ليحزن و ما نقول إلا ما يرضي ربنا و إن صاحبنا لفراقهما لمحزون.
و للهرب من هذه الحقيقة الرابعة و المحزنة جداً أخذ صاحبنا يستعرض حياته فصلاً فصلاً ، و يتابع تدرج حياة بناته و أولاده، منذ الطفولة حتى أصبح لبعضهم بنين و بنات، و هو يبتسم مع كل ابتسامة يتبسمها أحدهم و ينقبض قلبه و وجهه لكل ما يحزن أو يكدر أحدهم، بل إنه أخذ ينصت لسجل أصواتهم فيسليه ما كان منه بريئاً و طفولياً في صغرهم، و يشعره بالسعادة و الاعتزاز ما كان منها ينبض بالحكمة و حسن الخطاب في فتوتهم و شبابهم.
في حين كان صاحبنا يسبح في هذه الأصداء السحرية، أفاقه صوت عذب يقرع أذنيه بلطف و حنان " أبا ياسر اللي واخذ عقلك يتهنأ به" عندها لاحظ صاحبنا أن قدح الشاي الذي كان معداً له بعناية قد برد، و كان عليه أن يعتذر بلطف و يطلب قدحاً آخر.
إمضاء// أبو ياسر