السبت، 10 أبريل 2010

لكم الله يا مواطني جدة، تعانون بين سندان الأمانة و مطرقة البعوض

يقول الله عز و جل " إنا عرضنا الأمانة على السموات و الأرض و الجبال فأبين إن يحملنها و أشفقن منها و حملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا" . هذا نص رباني صريح و واضح يدل على عظم شأن الأمانة، و صعوبة حملها، بحيث أن المخلوقات العظيمة حجما و قوة تكوين كالسماوات و الأرض و الجبال ارتجفت خوفا و إشفاقاً من حملها. هذه الأمانة التي ليس للقيام بها إلا أحد المصيرين " إما الجنة" حين تؤدى الأمانة على أصولها و" إما النار" حين تضيع هذه الأمانه. يال عظم شأن هذين المصيرين الذي لا يعلم حدود عظمته إلا الذي خلق الكون، و لا أدل على عظم شأن هذين المصيرين من كلام الله عز و جل الذي نقرأه بين دفتي المصحف الشريف. كيف لا يكون شأن الجنة عظيماً و قد وصفها الله عز و جل في سياق أوصافها الرائعة " أن عرضها كعرض السماوات و الآرض" و أن فيها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر. أما النار أجارنا الله منها، فيكفي أنها نتاج إيقاد آلاف السنين " ألف سنة حتىاحمرت و ألف سنة حتىابيضت و ألف سنة حتى اسودت" و قودها الناس و الحجارة" " عليها ملائكة غلاظ شداد". مصيران طريقهما مليئة بالرهبة و انخلاع القلوب و الألباب: فتنة المحيا و الممات، سكرات الموت التي لم ينج منها حتى رسول البشرية و سيد بني آدم " محمد بن عبدالله" عليه أفضل الصلاة و السلام، القبر و ابتلائه، فروضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، يوم ينفخ في الصور فصعق من في الساوات و الأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، يوم طوله لا كأيامنا بل هو كألف سنة مما نعد، تدنو فيه الشمس من الخلائق، و ترى الناس فيه سكارى و ما هم بسكارى و لاكن عذاب الله شديد، تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت و تضع كل ذات حمل حملها من شدة الرعب، و رهابة الموقف، مناقشة للحساب للمخلوق من رب الأرباب، مناظر مرعبة لبشر يتضائلون حتى يكونو بحجم الذر، و الناس تدوسهم، اولائك المتكبرون في الأرض فيا سؤ المصير، الكثير و الكثير من الأمور التي تذهل العقول و الأفهام بل تسلبها فكأن الإنسان ريشة في مهب الريح، يتملكه الرعب، و تختصر جميع مشاعره في خوف منقطع النظير، كل هذا على الطريق لإحد هذين المصيرين، هذه الأهوال تزداد شدتها على من شاء الله، و تهون على من شاء الله، و لعل من أشدها عبور السراط، فذاهب إلى الجنة كالبرق، أو حتى زاحفاً، و منزلق إلى النار أو مخطوف إليها بالكلاليب و العياذ بالله.
هذه أمور حقا تزلزل السماوات و الأرض و الجبال، و عظمتها و هولها يفوقان خيال المفكرين و الخلق أجمعين، الأولين منهم و الآخرين، لكن الإنسان في العصر الحديث اختصر هذه العظمة ( الأمانة) في نواحي و زوايا من زوايا الحياة البشرية، أحياناً تكون في حجم متواضع بسيط، كلجنة مكونة من بضعة أشخاص تختص بأمر من الأمور قد يكون من باب الترف و ربما يحتل المرتبة الألف من بين الأولويات، فيكون أحدهم أمينا لهذه اللجنة، و ليكون الأمر أجود يشكل من بينهم أمانة لهذه اللجنة.
كما أن من إفرازات العصر الحديث تسمية خدمات المدينة، بلدية المدينة، "بأمانة المدينة" ياله من اسم عظيم تتوازى عظمته مع عظم المسؤلية، و ياله من مرتقاً صعب تتقاصر همة أمانات هذه الأيام عن ارتقاء إخمصه ناهيك عن سفحه أو ذرى قممه.
من بين هذه الأمانات أمانة مدينة جدة، و القاصي قبل الداني يعلم بتواضع أدءها في مجال صحة بيئة مواطني هذه المدينة التي أريد لها أن تكون عروسا للبحر الأحمر، فأضحت بسؤ أداء هذه الأمانة و ما سبقها من أمانات ، رغم المليارات التي تصرف، و الجعجعات التي تصم الآذان و لا طحين جثة هامدة تفوح منها روائح عبقرية الكراهة، و تحتضن في معظم زواياها الموت الزؤام و أصبحت و هي مصنفة عالميا كحاضنة لحمى الضنك، و تشكيلة من الأمراض. البعوض و الذباب، و بقية طائفة الحشرات الضارة قررت و بدون عقد مؤتمر أنها الملاذ الآمن لها، و أنها في حين أمست جحيماً على ساكنيها تعد جنة عدن الدنيا لهذه الأمراض و الآفات. و إن أصدق تعبير ينطبق على مواطني جدة أنهم يعانون، و ربما ينقرضون بين سندان الأمانة و مطرقة الآفات و في مقدمتها البعوض، الذي يتواجد في معظم زوايا جدة، و الذي زادت به الجرأة في ضل الأمن و الأمان الذي ينعم به في هذه المدينة حتى أنه يقتحم و لا أقول يتسلل إلى ملابس الإنسان، و يوسعه لسعاً و يسارع بملء معدته بدم الضحية حتى الثماله. فيا لله ما هذه المهانة للجنس البشري في هذه المدينة، حتى أضحى ذليلاً لا يستطيع الاستمتاع بحديقة منزله الذي كلفه شقاء عمره. أو شاطئ بحري، كلما استقر به المقام فيه لدقائق، كلها تمضي دون أن يتمكن من التمتع بزرقة البحر، لا يلبث إلا و يحمل أمتعته تحت وقع الهجمات الشرسة من البر و الجو و البحر من جحافل الجيوش المشتركة، جرذان لضخامتها ترعب الكبار قبل الصغار، و ذباب من كل أنواع الرتب، و بعوض يبدو أنه تأقلم مع ملوحة البحر، بل قل مع ماء الشاطئ الذي تصب فيه مأت الأنابيب الحاملة لما يسمى مياه الصرف الصحي، و إن أنسى فلا أنسى قطعان الصراصير التي تعود أصولها لكل قارات العالم القريب منها و البعيد.
هذا غيض من فيض من أحوال المدينة " التي إريد لها أن تكون عروسا" فأضحت فقيدة عندما ضيعت بها الأمانة.
اللهم أبرم لهذه المدينة أمر رشد يعز فيه سكانها من البشر و تذل بها أسراب البعوض و الذباب، و تطرد منها الروائح الكريهة، و الحفر الفارغة و المليئة بالمياه التي تنتشر في شوارع الأحياء انتشار النار في الهشيم، بل تقطعها، فلا عابر سبيل يستطيع تخطيها برجله، و لا مستعين بمركبة يستطيع خوضها، لإنها ببساطة أضحت بركة من الوحل يصعب تجاوزها، فيجبر الجميع إلى سلوك طرق التفافية حول هذا العائق، و مما يزيد الحسرة و الحزن أن معالجة هذه المشكلة تستغرق أشهراً، و ربما سنوات، أو العمر كله. هذا و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين على كل حال، و نعوذ بالله من حال أهل النار.

محب الخير للجميع: أبو ياسر